الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
الأحد، 22 ديسمبر 2013

هل الأخبار و الشبكات الإجتماعية ملوّث للعقل و معكِّر لصفو النفس؟

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته,
بعد انقطاع عن الكتابة لأكثر من سنتين, أعود في مدونة جديدة لأكتب بالعربية (و هذا لا علاقة له باليوم العالمي للغة العربية أو بأسبوع النشاط باللغة العربية :D ) و سأكمل بالإنجليزية في مدونتي القديمة.
هناك موضوع دار في ذهني كثيرا, و تناقشت فيه مع العديد من الأصدقاء, ألا و هو "هل الأخبار و النشاط على الشبكات الاجتماعية مفيد أم لا؟" و هذه هي النقطة التي ستكون محور هذا المقال.
لطالما اشتهرت بين معارفي بنظرتي النقدية اللاذعة و التشاؤمية للأشياء, و بطروحاتي الديزتوبية (dystopian) و هو الشئ الذي لطالما أثار تساؤلاتي, لماذا لا يرى الناس  الأمور بالسوء الذي أراه ؟
منذ بضعة أيام كنت في الميترو في طريق عودتي من الجامعة, و كما هي عادتي في وسائل النقل,  فتحت هاتفي و بدأت أتصفّح جريدة الغارديان البريطانية, قرأت بعض المقالات و التحليلات السياسية (من نوع: الصين تحذّر أمريكا و اليابان من اختراق مجالها الجوي في جنوب بحر الصين), ثمّ لفت انتباهي مقال بعنوان “News is bad for you – and giving up reading it will make you happier”* للكاتب السويسري Rolf" "Dobelli و  ما إن بدأت بقراءته حتى غُصت في محتواه, و كأنه يصف حالتي و حال العديد من البشر في وقتنا الحالي. في هذه التدوينة سأستلهم من بعض الأفكار التي وردت في المقال مع إضافات لا موضوعية (لا أؤمن بالموضوعية ابدا, و هذا أتركه لتدوينة أخرى).
أحد أعداء الانسان هي الوفرة, فمثلا بعد الثورة العلمية في الانتاج الزراعي و تطوّر الهندسة البيولوجية أصبحت المحاصيل لا تمرض كثيرا والأطعمة لا  تفسد بسرعة كما في الماضي (شكرا لوسائل التبريد), مما أدى لوفرة كبيرة في الغذاء (لا نتكلم عن البلدان التي هي تحت معدلات التنمية الدنيا) و ظهرت أمراض كثيرة متعلقة بالأغذية من مرض السكري إلى ارتفاع ضغط الدم و الكوليسترول ...الخ. من الامراض. للعقل كذلك سموم تؤذيه, فكثرة المعلومات عديمة الجدوى تضره و تنقص من قدراته الوظيفية. القواسم المشتركة بين الاثنين كثيرة, أذكر منها سهولة الحصول عليهما و  تناسبهما و شهوات الانسان البدائية كحبّ التخمة و الفضولية و هذا ما يؤدي بدوره للإدمان. ثم بعد الإدمان تبدأ العواقب بالطفو للسطح, و تبدأ رحلة الانسان مع القلق و الاكتئاب.
الأخبار مثل السكريات لا تتطلب جهدا ذهنيا وخاصة حين تأتينا في صيغتها الالكترونية كتغريدات تويتر أو تحديثات فايسبوك. العديد من المعلومات تأتيك عن أحداث و أشخاص بحيث تستهلك وقتك ولا تعود عليك بالنفع أبدا, مثلا ماذا ستفيدك في حياتك الشخصية أو المهنية معلومات عن فلان يصوّر لك طبق عشائه, و الآخر يضع مقالا عن مباراة البارحة, و أخرى تنشر تحديثات عن آخر موضة عن الأكعاب العالية, الخ؟ هل ستساعدك هذه الأشياء يوما ما في اتخاذ قرار مهم في حياتك؟ هل ستستطيع أن تتذكرها في الغدّ؟ على عكس المطالعة أو قراءة المقالات التحليلية التي تتطلب منك حضور الذهن و التركيز- ناهيك عن الاستعداد الذهني و الرصيد المعرفي-, استهلاك الأخبار تكاد تكون عملية تلقائية يقوم بها النخاع الشوكي لا المخّ, و هذا ما أفسّر به قدرتنا على الجلوس لساعات أمام الفايسبوك و نسهر لساعات متأخرة على تويتر دون تعب, و لكن حين ننهمك في المراجعة أو القراءة نتعب و ننام باكرا.
الأخبار مُضِلَّة: اقرأ حاليا أحد الكتب التي أثارت ضجّة في عالم البورصة و المال وهو كتاب "البجعة السوداء" "The Black Swan: The Impact of the Highly Improbable" للرجل الأعمال و كاتب الأمريكي من أصول لبنانية "نسيم طالب", و هو كتاب من أروع ما قرأت في مجال التفكير النقدي و معارضة المسلمات العلمية الحالية و عجزها عن تفسير أو التنبؤ بالعديد من الظواهر الأكثر تأثيرا في التاريخ (سأكتب عنه بإسهاب حين أنتهي من قراءته) و فيه يعطينا الكاتب مثالا عن تقزيم الأخبار للمهم, و إلهاء القارئ بالقشور. يعطينا مثالا عن حادثة في جريدة : "جسر ينهار من تحت سيارة مما يؤدي لمقتل السائق", ماذا سيحتوي المقال؟ سيتكلمون عن السائق, من أين أتى و إلى أين كان متوجها و عن عدد أولاده و كيف كانت لحظاته الأخيرة و لربما حتّى أنتجوا فيلما عنه. و لكن ما هو أهم شيء في الحدث؟ بالطبع هو هشاشة الجسر. هذا هو المشكل و الذي سيتكرر أيضا في مكان آخر إن لم نعتبر من الحادثة و نتعلم الدرس, و لكن لماذا الأخبار تهمل هذا الجانب؟ لأنه ببساطة لا يحتوى على عنصر الإثارة و العاطفة ! سقوط سيارة و موت انسان هو شيء درامي, غير تجريدي و الأهم من ذلك هو سهولة بيع مثل هذه الأخبار, فالكل يتأثر بها, ليس كتقرير مسهب حول سلامة الطرقات و توازن الجسور (ربما حتّى المهندسين المدنيين يهربون من مقال مماثل). و في هذا المنوال تعظّم لنا وسائل الاعلام أحداثا و تقزّم أخرى, فمثلا في نفس اليوم الذي مات فيه 3 أشخاص في تفجيرات بوسطن مات أكثر من 70 شخصا في العراق بتفجيرات انتحارية, و مات 40 شخصا في سوريا. ترينا وسائل الاعلام أن رائد الفضاء بطل (بالرغم من أنه شيء عظيم و ذو قيمة علمية لست بصدد انكارها) و تهمل عمل الأطباء الذين يضحون بشبابهم في الدراسة ثم كهولتهم في السهر في المستشفيات في انقاذ حياة الآلاف يوميا. ترينا أن الخطر يأتينا من عدو خارجي بينما يقتل اليأس و البطالة من الشباب مالا يعدّ ولا يُحصى...الإنسان بطبعه هلوع, فمثلا تجعلنا نخاف من التفجيرات ا(التي ربما لا تقتل أكثر من 20 شخصا في السنة) بينما الطرق تحصد أكثر من 4400 روحا في السنة في الجزائر(و أغلبها بسبب الطرق المهترئة و ليست السرعة, و أحسن مثالا هي المانيا التي لا تحدّد السرعة في الأوتوبان. هذا موضوع سأتطرق له في مقال آخر). الأخبار أخلّت بقدرتنا على تقييم الأخطار.
في رأيي الخاص, الانترنت قبل الشبكات الاجتماعية كانت أكثر نفعا و هذا لأن الشبكة بحدّ ذاتها كانت تجذب في العموم أناسا ذوي استعدادات ذهنية و فكرية , و لكن بعد ظهور الشبكات الاجتماعية و خاصة الفايسبوك اختلط الحابل بالنابل, فأصبح كلّ من هب و دبّ على الفايسبوك يعلّق و ينشر و يفتي, الخ. إذا من الصعب تحديد كيفية التعامل مع الأشخاص, فالفايسبوك في تعريفي وهو كقاعة كبيرة تجلس فيها مع صديقك المقرّب و جارك و ابن عمتك المراهق و صديق الدراسة و شخص لم يسبق لك رؤيته, و أحد متنكر وراء اسم مستعار و صورة ميسي, و أستاذتك في الابتدائي و صحفي و كاتب قرأت له و نائب في البرلمان و مترشح للرئاسة, الخ. و أنت تتكلم بينهم كلهم ! في الحياة الواقعية لا يحدث مثل هذا الخلط, فيمكنك اختيار الطريقة و النبرة التي تحدّث بها كل واحد, فلكلّ مقام مقال. فالتحدّي القائم هو كيفية معرفة من تعطيه قدرا من وقتك و جهدك بحيث يعود التفاعل بالنفع, و هذا كان أحد أخطائي (ربما ولا يزال) بحيث أتفاعل بالحماسة نفسها مع كلّ الناس, و هو الشيء الذين يستهلك الطاقة و الأعصاب.


الأخبار لا تهمك: معظم الأخبار التي تصلنا لا علاقة لها بحياتنا ,ارتفاع اسعار الموز في الإكوادور, العثور على عجوز ميتة في بيتها في ولاية ربما لن تزورها في حياتك, سكان حي في أقصى الشرق يطالبون بالغاز, العثور على حمار و في اذنيه سماعات iPod يحمل 40كغ كيف معالج على الحدود, الخ. ربما ان كنت جمركيا سيلفت انتباهك, و لكن انا شخصيا لا تهمني من بعيد و لا من قريب, و سأتكلم عن الخطر من هذه الأخبار. يستمر الكاتب بأن معظم الناس ينكرون أن أخبارا مماثلة لا تهمهم , و لكن الخلط الواقع هو بين الجديد و المفيد. نعم الأخبار تأتيك بالجديد و لكن ليس بالضرورة مفيد, في عصر السرعة أقنعتنا وسائل الاعلام ان من يملك المعلومة (بغضّ النظر عن أهميتها) فله سبق من نوع ما, و لهذا حين ننقطع لوقت ما (أثناء السفر للاستجمام أو قضاء4 اسابيع في حقل بترولي مع الرمل و الغربان) عن مصدر المعلومة نحسّ بالقلق أن يضيع منّا الكثير, و لكن بالعكس, فأنا شخصيا كنت اجد مثل هذه السفريات فرصة لقراءة الكتب التي طالما عجزت عن تصفحها, و حتّى على الصعيد النفسي أرتاح و أسكن.
الأخبار لا تحمل معها تفسيرات: الأخبار في صيغتها الحالية مثل قطع الـJigsaw Puzzle   (الصورة أدناه) و لكنها على عكس اللعبة التي كنا نلعبها في الصغر( و ننتهي بتكوين خريطة أو صورة ) لا تحتوي على أي صورة, و أسوء ما في الأمر أنها لا تنتهي !   و لكن الإنسان بطبعه يحب أن يجد تفسيرا لأي خبر, فدائما نتساءل لماذا فلان قتل جاره؟ و علان سرق سيارة مديره؟ ولمذا تلك الامرأة سمّمت حماتها, الخ. بينما أحيانا و بكل بساطة ليس هناك أي تفسير منطقي أو على الأقل يتناسب و آلياتنا الذهنية (مثلا السفاح Herbert Mullin الذي قتل 13 شخصا ادّعى أن هاتفا جاءه و أمره بقتل العديد من الناس لكي يجنّب كاليفورنيا الزلزال !). أعود للمثال, نضيّع وقنا كبيرا في جمع تلك القطع ظنّا منّا أنها تساعدنا في تكوين الصورة الكبيرة (أي في فهم الواقع) و لكنها في الحقيقة "ماكانش منها", و أتحدّث من منطلق أنني أتتبع الأخبار و السياسة منذ سن الـ12, ممكن أن تكون لديك تصورات و لكن لن تصل أبدا للحقيقة أو الى توقّع ما سيحدث الشهر القادم (ليس من الناحية الغيبية التي يعلمها إلا الله, و لكن من جانب قراءاتنا للأسباب و المسببات), فمن قال أن تونس ستثور على بن علي؟ و من قال أن مبارك سيزاح من كرسيه؟ ثم من قال أن مرسي سينقلب عليه؟ ثم من يدري ماذا سيحلّ بنظام السيسي؟ و من تنبأ بتسونامي اليابان الذي أحدث أحد أكبر الكوارث البيئية بعد حادثة مفاعل تشيرنوبيل؟ و من توقّع الأزمة المالية و إفلاس بلدان كاليونان؟
clip_image002
الأخبار سموم للجسم: يكمل الكاتب في المقال أن التعرّض المستمر للأخبار (التي معظمها مقلقة) يؤدي الى زيادة إفرازات في الكورتيزول, الذي بدوره يؤدي إلى اخلال النظام المناعي و إفراز الهرمونات والقلق المستمر. أيّ اضطراب نفسي سيؤدي لاختلال توازن الجسم- ناهيك عن المخاطر الصحية- تتبدل شخصية الانسان فيصبح أكثر خوفا و أكثر عنفا. نظرة خفيفة على اليوتيوب تعطيك لمحة عن مدى يأس و عدوانية الناس (التي يضمرونها في أنفسهم في الحياة الواقعية) . فمثلا تعليقات الفايسبوك غير اللائقة التي نراها تثير الغضب, و من كثرة التعرّض لتلك الحالة ثم الكبت (لو كان الشخص أمامك في الواقع لما تجرأ لقول شئ مماثل و إلا أخذ لكمة :D) يصبح الانسان أكثر عنفوانيه, و من الناحية الأخرى يصبح الشخص لا يتحمل مسؤولية أقواله (مستقويا بالمجهولية التي تتيحها الانترنت).
الأخبار تغذّي الأخطاء الادراكية: الأخبار في قالبها الساذج و الاختزالي, تربّي لدى الإنسان الانحياز و الأفكار النمطية. كما يقول وارن بافيت Warren Buffet (رابع أغنى رجل في العالم): "ما يحسن الانسان فعله هو تفسير الأخبار الجديدة بهدف تأكيد قناعاته و أفكاره المسبقة " . حتىّ أدنى الاستدلالات المنطقية التي ربما نمارسها في القسم بكلّ سلاسة لا نطبّقها في حياتنا اليومية. كما يقول "نسيم طالب" في كتابه "البجعة السوداء" (الذي سبق ذكره في أعلى المقال) : "معظمنا لا يربط بين ما تعلمه في الجامعة و بين تطبيقاته في الواقع, لنأخذ مثال عن هذه المغالطة: يمكن القول أن كلّ ارهابي مسلم ( لنفرض أنه95%) و لكن ما يفهمه العديد في امريكا هو "كلّ مسلم ارهابي" يعني من المليار مسلم يتضرّر مئات الملايين من سوء فهم جملة واحدة". ما ألاحظه ايضا هو تمييع الأسباب و تغليفها بغلاف براق يجعل القارئ يهتم بالغلاف أكثر من اللب. أنا شخصيا لا أقرأ الجزائد الجزائرية منذ 2010 (فكما كان يقول أحد كبار المدينة "الحقيقة لا تباع بـ10 دنانير") و لكن أسبابي ليست اقتصادية و لكن هي عدم احترام عقل القارئ و عدم اختصاص الصحفيين. نفس الصحفي تراه يتخبّط يمنة و يسرة محاولا تفسير ظواهر تتجاوزه و تتجاوز قدراته المعرفية و حدود إدراكه بكثير, مثلا مالا يعجبني هو الخلط بين العلاقات التي تربط بين الظواهر و الحوادث, فلا يفرّقون بين العلاقة السببية Causal و العلاقة الارتباطية Correlation . يحضرني مثال بسيط يذكره عالم الاقتصاد Steven D. Levitt في كتابه " Freakonomics: A Rogue Economist Explores the Hidden Side of Everything" (الذي أنصح بمطالعته للكم الهائل من المعلومات المفيدة, فهو يقدّم نظريات الاقتصاد و التحليل المعلوماتي في أسلوب سردي بسيط و ممتع) بحيث يثير مسألة العلاقة بين ثقافة الطفل (تحصيله المدرسي) و بين عدد الكتب التي في البيت. السؤال هو: هل عدد الكتب في البيت يؤثر على ثقافة الطفل أو تحصيله الدراسي؟ * (اقتباس من الكاتب في أدنى الصفحة). لا ! العلاقة هنا علاقة ارتباطية و ليست سببية, بحيث أن التواجد الفيزيائي المحض للكتب لا اثر له على الاطلاق, و لكن الشيء المؤثر هو الوالدين, يعني أن الوالدان اللذان يجمعان كمّا معتبرا من الكتب يسمح لهما بإنشاء مكتبة خاصة بالبيت هما من الوعي و الثقافة الكافيين بحيث يربّيان الطفل من صغره على المطالعة و أهمية العلم. فوفرة الكتب مظهر من مظاهر الثقافة و ليس المسّبب. و لكن للأسف, صحافيونا لا يرقون (حاشا البعض) لمثل هذا التفكير, و أعذرهم من ناحية أن الجامعات لا تكوّن الصحفي في المجالات العلمية و الأكاديميون متخليين عن واجبهم فلا يكتبون في مجالاتهم في الصحف و المجلات المختصة.
الأخبار تكبح التفكير: التفكير يتطلّب التركيز, و التركيز يتطلّب وقتا غير مستقطعا. الوسائط المتعددة التي تأتينا فيها الأخبار (صورة, اتصال هاتفي, اشعار على الفايسبوك, وصول بريد الكتروني ) تجعلها مُشّوِشَة ومُشَتتِة للتفكير, و كذلك صيغتها المختصرة تجعلنا سطحيين, فهي كالوجبات السريعة Fast Food لا يجب استهلاكها الا في الضرورة و إلا كانت العواقب وخيمة. و من ناحية أضرارها بالذاكرة فهي عدوتها, فللإنسان ذاكرتان, طويلة المدى (مثل القرص الصلب لها سعة كبيرة HardDrive) و قصيرة المدى (مثل الذاكرة الحية RAM , سريعة و لكنها محدودة) و الطريق الذي يجعل المعلومات تخزّن من الذاكرة قصيرة المدى للذاكرة طويلة المدى هو التركيز, و إلا تبخرت تلك المعلومات بعد ساعات أو أيام قليلة. فمثلا هناك دراسة أجراها باحثان كنديان (The Web Shatters Focus, Rewires Brains) و التي أظهرت أن عدد الروابط في المسند النصّي أو المقال تنقص كثيرا من التركيز و السبب هو انك في كلّ مرة تمرّ على رابط ستحتاج للتفكير لإتخاذ قرار الضغط على الرابط أم لا, و الذي بدوره سيقطع تركيزك و تسلسل أفكارك.
الأخبار مثل المخدرات: الشيء الذي لاحظته في العديد من المنتجات (سواء كانت سلعا مادية أم منتوجات فكرية/ثقافية) التي تستهدف الغرائز البشرية البدائية (primitive instincts) هي الأكثر نجاحا (و إن انكر الجميع هذا علنا و اعترفوا به سرّا) و مع تطوّر التكنلوجيا الحالي و الخصوصية التي تتمتع بها الشبكة, أتيح للناس إشباع رغباتهم البدائية بعيدا عن أعين الناس و الاحساس بالذنب, و هنا أنا اقصد غريزة التطفّل (أو التقرعيج بالعامية الجزائرية), فمثلا لو بدأ أحدهم بسؤال الأشخاص عن العديد من الاشخاص الآخرين سيشكون فيه و يسمّونه بأوصاف (بالانجليزية a creep) و أحيانا تتجاوز الى مرحلة التعلّق المرضي (A stalker), و لكن لا أحد سيضحك عليه ان بقي ساعات أمام شاشة الحاسوب يتلقف دقائق الأمور و توافهها عن حياة الآخرين وعادة من غير أن يكون طرفا فعّالا في التفاعلات الاجتماعية (الكلمة الانجليزية لهذا الفعل هو Lurking). الفضول جيّد ان استعمله الانسان كحافز للتعلم و تتبع الجديد في مجال عمله أو نشاطه أو دراسته, و لكن أن يتحول الى حالة مرضية و تتبع ما ينشره الناس عن حياتهم الخاصة (عن احساسه بعد شرب كأس كوكا كولا, أو عن معاناته مع الارق أو عن لون جواربه أو اسم قطته... الخ.. من معلومات التي لا تفيد الناس الذين لا تربطهم علاقة خاصة بذاك الشخص). الأخبار كذلك, تحشو مخّك بقصص عشوائية و تجعله تتلهف لمعرفة كيف تنتهي القصة (مثل المسلسلات الامريكية), و مع استهلاكنا المستمرّ لوجبات ذهنية سريعة, تضعف المعدة التي تهضم المعلومات الهامّة لتخزّنها في الذاكرة طويلة المدى. و هذا أحد المشاكل التي مررت بها في السنين الأخيرة و خاصة بعد نشاطي (احيانا المفرط) علي الشبكات الاجتماعية, بحيث تناقص معدل مطالعتي من كتابين و مجلة في الأسبوعين (أحيانا أقرأ كتابا في اليوم الواحد) الى أقل من 8 كتب في السنة, و أصبح الملل يصيبني بعد الـ50 صفحة الأولى (6 كتب وصلت لنصفها و لم أكملها بعد). و لكن في المهلة الأخيرة انقطعت عن الجرائد تماما (لا أتفرّج التلفاز منذ 8 سنين) و اكتفي بنظرات خفيفة على الشبكات الاجتماعية 3 مرات في اليوم. لاحظت أن نومي أصبح أكثر اتزانا و مردودي الدراسي تحسّن و رجعت للمطالعة بمعدّل (80-100 صفحة في اليوم) .
الأخبار مضيعة للوقت: الأخبار سارق ماهر للوقت, فهي تأتي في شكل متخفّ , فلا نحسّ بالوقت الذي ضاع و الأسوأ أننا لا نحس بالذنب و تأنيب الضمير. 15 دقيقة في الصباح و 15 دقيقة في الغداء و 5 دقائق كلّ ساعة اثناء الدراسة أو العمل تجد أنّ ساعة و نصف الى ساعتين تضيع من غير أن نلقي لها بالا (ساعتان تكفياني لقراءة 120 صفحة بالعربية و 100 صفحة بالفرنسية أو الانجليزية).تخيّل في 360 يوم؟ سيقرأ الواحد منّا أكثر من 100 كتاب اضافية في السنة (مثل ما فعل الكاتب نسيم طالب).
الأخبار تجعل منك سلبيا و متشائما فوق اللزوم : أنا لست ممن يقولون بأننا على ما يرام و أن السحاب وردي و العصافير تغرّد و سندباد يخطّط لمغامرة أخرى. لا لا أنا اتكلم هنا عن السلبية من حيث الفعل, أي أن الانسان يصبح لا يرى جدوى من العمل. الأخبار التي نسمعها كلّ يوم تأتينا من كلّ اصقاع الأرض, زلزال في الصين, تفجير في باكستان, سيارة مفخخة في بغداد, موت اللاجئين السوريين في مخيماتهم من البرد, انقلاب في مصر, تمردات في ليبيا, شاب يحرق نفسه في الجزائر, برلمان المغرب يدرس امكانية تقنين الزطلة (المخدرات), أمريكا تتجسس على العالم (بما فيه مستشارة ألمانيا و رئيس المكسيك و رئيسة البرازيل), انزلاق أرضي في الشيلي, تسارع وتيرة ذوبان الجليد في القطب الشمالي, الخ. القاسم المشترك لهذه الأخبار هو عجزك المطلق عن تغيير اي شيء فيها. يوميا تسمع أخبارا غير سارّة خارجة عن نطاق سيطرتك تماما, مع مرور الوقت يصبح الانسان (الانسان الذي لديه حسّ انساني مرهف أو ضمير حيّ) أكثر تشاؤما و سلبية, و أحيانا عنيفا.
الأخبار تقتل الإبداع: هذه النقطة التي أنهى بها الكاتب "دوبيلي" المقال قائلا أن معظم المبدعين لا يستمعون للأخبار أو يقرؤونها , و هو مالا أوافقه فيه 100%. أحد الفقرات الوحيدة التي لازلت أقراها في جريدة الغارديان مرة في الـ3أيام هي ركن التكنلوجيا, بحيث أبقى على دراية بما يَجِدُّ في مجالي (بحكم دراستي في هندسة الحوسبة الصناعية), و كذلك الاستلهام من الأفكار الابداعية التي تنشر (الطابعة الثلاثية الأبعاد و ما جد فيها, عن أخبار الـ BitCoinو وسائل الدفع اللامركزية البديلة للنظام البنكي المركزي المعاصر, الخ. )
الخلاصة: الأخبار كغيرها من الأشياء لها نفعها و لها أضرارها و التطرّف مذموم في كلتا الحالتين. نحن ضحايا زماننا, غمرتنا سرعة انتقال المعلومة, و تسارع الأحداث و تعقّدات الحياة, و عدم تأقلمنا معها قد يؤدي إلى أضرار عدّة: صحية و عقلية و نفسية. و في رأيي أنّ على الانسان الحدّ من كثرة التعرّض لهذه المصادر التي تلهينا عن التركيز على الأشياء التي يمكننا عملها و إنجازها على أرض الواقع بأشياء تكبرنا و يستحيل لنا تغييرها, و هذا من غير أن نغفل كلية فنتقوقع و نعيش في فقاعة يمكن أن تنفجر بنا في أية لحظة.


هذا فيديو توضيحي  قصير مستلهم من كتاب "The Shallows:What the Internet Is Doing to Our Brains" لصاحبه "Nichols Carr" و الذي يتعرضّ فيه لظاهرة تشتّت التركيز بسبب الانترنت.




----------------------------------------------------------------------------------------
*) ترجمة: الأخبار تضرّ بك, و التخلّي عنها يجعلك أكثر سعادة
*) “While children who possess many books in their homes tend to do better at school, the Freakonomics authors concluded that regularly reading to a child doesn't affect test scores. And neither does taking a child to museums or limiting a child's access to TV.
Acknowledging how odd this sounds, the authors wrote:
If reading books doesn't have an impact on early childhood test scores could it be that the books' mere physical presence in the house makes the children smarter? Do books perform some kind of magical osmosis on a child's brain?
It's not the books, but the parents who are buying Good Night Moon, Harry Potter and Nancy Drew. Parents who purchase books tend to be smart and well educated and they are the ones who raise smart kids who test well in school. What doesn't matter is whether these parents read to their kids, take them to museums or limit their time on computers or watching TV. Go figure. »

3 comments:

  1. An excellent article Zoubir I totally agree with you and I myself said almost the same thing to my friends but you have to know that people feelp pressured by the environment in which they live in and by the people so that they interact with on a daily basis so in the process of trying to relieve themselves of some of it they tend to imitate their acquaintances hoping to fit in. Anyway it's only my point of view. Keep up the good work

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا أسامة على التعليق. في الحقيقة, هي تبقى مسألة قناعات و خاصّة إنضباط. أصبحت الشبكات الإتماعية جزءا من حياتنا, و العديد من الناس وجد فيها متنفسا, و بعضهم ربما تجده قد بنى شخصية مختلفة تماما عن الواقع. هي لا توجد قاعدة ذهبية, هي مسألة توارنات بين الأيجابيات و السلبيات,لهذا يجب علينا أن نتعامل معها بمسؤولية.

      حذف
  2. مقال اكثرمن رائع وجدت استفاده كبيره

    ردحذف